لم أصدّق يومها أنّي كنتُ وباسم يوسف في القاعة نفسها. نجم الشاشة الوسيم، الحذق، والمفوّه كان حيًّا أمامي!
حظيتُ برؤية باسم في أيّار/مايو من العام الماضي، في منتدى الإعلام العربيّ الذي ينظّمه نادي دبي للصحافة. كنت قد سجّلت لحضور المنتدى بعد علمي بأنّ "باسم" على لائحة المتحدّثين، خاصّة وأنّه كان حديث الناس حينها. وقد كان استدعاؤه من قبل النائب العام تحت ضغط الإخوان إبّان عهد محمّد مرسي ما زال (طازة) ساخنًا.
بدأتُ بمتابعة "البرنامج؟" منذ بدء عرضه على "سي بي سي". كان بمثابة نافذتي على السياسة المصريّة. ساعدني على فهم هيكليّة النظام، والتعرّف إلى واجهة الإعلام المصريّ، وإن كان في إطار كوميديّ "غير موضوعيّ"، على حدّ تعبير يوسف.
 |
| باسم يوسف يتحدّث في المنتدى (تصويري) |
تحدّث باسم في جلسة عن "الإعلام الساخر" مع عدد من الوجوه الإعلاميّة العربيّة من الخليج والأردن ومصر، وأدار الجلسة طوني خليفة. أحسستُ بالشفقة على المتحدّثين في الجلسة نفسها. بدوا وكأنّهم في صفوف الجمهور، فقد طغى حضور باسم على الجميع في القاعة. فكّرتُ بأنّه كان الأجدر أن يتمّ تخصيص جلسة نقاش مفتوحة مع يوسف، لئلا يكون وجود الإعلاميّين الآخرين هامشيًّا. حتّى أن الحشود الموجودة في الصالة اختفت فور مغادرته.
بدا باسم يومها هادئًا. يعكس استرخاء جسده ثقة لا يزعزعها سؤال ملغوم. ولم يزد إعجابي بحنكته إلّا إعجابًا.
يتربّع صاحب الشخصيّة المثيرة للجدل، اليوم على عرش "النيو ميديا" بتحدّيه للظروف الصعبة لممارسة مهنته. لا أذكر شخصيّة أكثر "كاريزما" من باسم. لا أذكر إعلاميًّا ذا تأثير شعبيّ واسع، وجماهيريّة ليست محلّيّة، بل إقليميّة وعالميّة أيضًا مثله. لم أفكّر فيه كطامعٍ بالمال أو متعطّش للشّهرة، كما يتّهمه الكثيرون، بل رجل مبادئ جريء.
والحقيقة أنّ باسم يشغل بالي منذ أيّام. تحديدًا منذ يوم الأربعاء ١٩ آذار/مارس عند إطلاق وسم #باسم_طلع_حرامى، وإنفجار "تويتر" بخبر سرقة باسم لمقاله الأسبوعيّ في جريدة "الشروق" المصريّة، والذي تناول فيه الأزمة الأوكرانيّة-الروسيّة. اعتدنا إطلاق الشائعات عن باسم، فانتظرتُ لليوم التالي كي أعرف التفاصيل. وجاء الخبر اليقين: باسم اقتبس مقالًا للكاتب البريطانيّ "بن جودا" وكتّابًا آخرين دون ذكر المصدر، أو الإشارة إلى صاحب الأفكار الأصليّ.
اعتذر باسم عن الخطأ بتغريدة عابرة (قام بمسحها لاحقًا) متذرّعًا بأنّ المرجع "سقط سهوًا"، بحجّة "ضغوط العمل" وإنشغاله في إعداد "البرنامج؟" الذي أسفر عن هذا الخطأ. لم يصدّقه كثيرون. وسقطت صفات "الدكتور" و"الإعلاميّ" وغيرها عن باسم ليصبح بنظر الكثيرين "حرامي" فعلاً.
لم أتسرّع بإطلاق الحكم رغم أنّ الموضوع أقلقني. انتظرتُ حلقة "البرنامج؟" ليل الجمعة الماضي، علّي أسمع تصريحًا مباشرًا من باسم. عرّج على الموضوع بـ"إيفيهين" عن السرقة، وعبارتين رنّانتين في الجزء الثالث من الحلقة عن أنّه إنسان يخطئ. شكر الناس على نقدهم البنّاء، مشدّدًا على أنّ خطأه غير مبرّر… ثمّ عاد نهار ٢٢ لينشر مقالًا في "الشروق" يطهّر فيه خطيئته الأولى، يعيد فيه حجّته، ويقدّم اعتذارًا مطوّلًا للجمهور، ويعلن فيه الابتعاد عن الكتابة لفترة.
لم تبعث كلمات باسم الطمأنينة في نفسي، بل زاد قلقي ليلة الأحد الماضي، عندما نشر أحد معدّي "البرنامج؟" والكاريكاتوريست المصري محمد أنديل فيديو على يوتيوب بعنوان "الشهادة الأخيرة". يعرض فيه "أنديل" الرّسالة التي تلقّاها من باسم يوسف يوم ٧ آذار/مارس على بريده الإلكترونيّ، وفيها مسودّة المقال ليرسم صورة كاريكاتوريّة مرافقة. والمفاجأة أنّ المسودّة تحتوي فعلًا على المصدر في ختام المقال. راح باسم يعيد تغريد كلّ من "شيّر" الفيديو ويدعو الناس إلى إنصافه..
باسم، لقد أخفقت مرّتين. الأولى عند "اقتباسك" المقال، والثانية عند محاولة "لفلفة" الموضوع ونسب المصدر متأخّرًا. اعتذارك فضيلة، وهو حقّك. أؤيّد ثقاقة الاعتذار التي تحدّثت عنها. لكن دعني أستعير كلماتك لتوصيفه: "جاءت طريقة تعاملك مع الموضوع لتحمل قدرًا كبيرًا من البلاهة والتسرّع والذعر والمكابرة والاستهبال".
دكتور باسم، لقد قرأت رسالتك مرارًا، وأعترف أنّي لست من قرّاء عمودك سابقًا. فتّشت فيها عن نفي للخطأ، وكونه "إيفيه" آخر، في إطار أكثر جدّيّة ربّما. وعندما لم أجده، بحثت عن تفسير. عن توضيح. عن أيّ حروف تمحو وقع "الفضيحة". لكنّي لم أعثر إلّا على كلمات ندم تحاول مسح العار عن سمعة ملطّخة. لم تقنعني محاولتك المثيرة للشفقة بالدفاع عن نفسك.
وبعد مشاهدة الفيديو زادت تساؤلاتي. لماذا انتظرت خمسة أياّم كي تدافع عن نفسك يا باسم؟ لماذا اعتذرت مرارًا وتكرارًا على خطأ لم ترتكبه؟ أليس في رسائل إعتذارك المطوّلة اعترافًا ضمنيًّا بالجرم؟ لماذا لم تُسكِت الاتّهامات الباطلة إذًا؟ مَن غفل عن تضمين المصدر في المقال المنشور؟ أهو خطأ المحرّر؟ وهل هو فعل مُتعمّد يريد النيل من سمعتك؟
لا أعلم لماذا أحبطني الأمر لهذه الدرجة. فلستُ إلّا واحدة من ملايين مشاهدي برنامجك. ربّما لأنّك بعثتَ الأمل في واقع لم يقدّم لنا إلّا اليأس.
باسم، فقدتُ الأمل، فهلّا أعدته؟
رنا داود