Saturday, April 26, 2014

عن أن تكون تلميذ ديمة الخطيب

نقلًا عن حساب ديمة الخطيب في إنستاغرام

عرفتُ اسم ديمة من خلال تويتر. لم نتفاعل يومًا، لكنّ تغريداتها كانت في كلّ مكان. تغرّد عن الثورة، عن الحبّ، عن القمر، عن اللغة العربيّة، وغيرها الكثير. كانت شخصيّة مثيرة للاهتمام خاصّة أنّ شعبيّتها في تويتر زادت مع بدء ثورتي تونس ومصر. تابعتها ذات مرّة لكنّها ملأت "خطّي الزمنيّ" فقمت بإلغاء المتابعة لازدحام التغريدات. لا أخفي أنّي كنت -وما زلت- أتسلّل إلى حسابها كلّ فترة لأرى تحديثاتها.


مرّت الأيّام، إلى أن شاهدتها في مؤتمر "أيّام الإنترنت العربي" في جلسة حول أهميّة اللغة العربيّة اليوم. أعلم أنّها كانت تدرّس في الجامعة العام الماضي، وأنّها معروفة بقسوتها في التدريس. تقدّس اللغة العربيّة لدرجة أنّها "تحرّر مخالفات" في حصصها بالعربي لكلّ طالب يتفوّه بكلمة إنكليزيّة، وتجعله يدفع غرامة تذهب لصندوق خصّص "للتكفير عن الذنوب الإفرنجيّة".


اليوم ديمة معلّمتي. التعرّف بديمة عن قرب مختلف. تزداد حشريّتي في حضرتها وتدفعني لتعلّم المزيد منها. حبّها للصحافة أوّلًا، وولعها باللغة العربيّة، وشغفها بالمعرفة جميل. بدأ الفصل حماسيًّا. لم يكن عندي شكّ أنّه سيكون تحديًا كبيرًا.


كلّ الوظائف التي طلبت منّا كانت تجارب جديدة. فلم سيبق لي أن كتبت وأعدّيت وأنجزت تقريرًا متكاملًا  لأيّ من المنصّات، بدءًا من المكتوبة، إلى الإذاعيّة، وصولًا  للتلفزيونيّة. في كلّ منها اختبرت متعة، ولعنتُ الساعة ألف مرّة. والحقيقة أنّ وقتي كان ضيّقًا جدًّا، فأنا في بداية الفصل وقّعت عقد عمل ألتزم فيه بدوام ثلاثة أيّام كاملة من الأسبوع، ويبقى لي يومان في الجامعة، ويومان آخرين للعطلة أحضّر فيهما الوظائف المطلوبة. وإلى جانب صفّ "السرد عبر وسائط متعدّدة" كان عندي ٤ صفوف أخرى تتطلّب تحضيرًا مسبقًا واختبارات، وغيرها، فكنت دائمة الانشغال، ممّا جعلني أحسّ في كثير من الأحيان أنّي مقصّرة. والآن، وبما أنّ نهاية الفصل قد اقتربت، أرى أنّه كان بإمكاني تكريس وقت أكثر ومجهود أكبر لدراستي الجامعيّة. لكن لا بأس.


اختيار محوري لم يكن صعبًا، فالتفاعل الإلكترونيّ مع الإسرائيليّين لطالما أثار اهتمامي، خاصّة وأنّ مسألة الحرب، أو الاحتلال أو كلّ ما يتعلّق بإسرائيل يعنيني، فقد عايشت احتلال العدوّ للجنوب اللبنانيّ. أمّا التجربة المفضّلة لدي فهي الإذاعة - وقد كتبت تدوينة منفصلة عنها. في الواقع لا أعلم لماذا، لكنّها كانت الأمتع. للصوت خلف المذياع لذّة. قد يكون حبّي للإذاعة يتولّد من أوّل ذاكرة لي في الطفولة: صوت أبي يراسل الإذاعة في بيتنا القديم عندما كنت في الثالثة. كنّت أجلس مع أمّي وأختي الكبرى على "الحصيرة" نستمع إلى الراديو، وكلّ تقارير والدي كانت تبدأ بالجملة ذاتها: "قصفت قوّات الاحتلال الإسرائيليّ". أو ربّما حبّي للإذاعة جاء من حبّي لريتا خوري التي لم ألتقيها يومًا. أعرفها فقط من صوتها في الراديو ومن تغريداتها. كنتُ أتمنّى لو تسنّى لنا التدرّب على الإلقاء والنفس في الإذاعة وفي التلفزيون أيضًا.


للمدوّنة حكاية أخرى- وقد كتبت تدوينة منفصلة عن التجربة. لكنّي عشقتُها. كانت منبرًا لم أعره اهتمامًا من قبل. فأنا مزاجيّة جدًّا في اخيار ما أكتب وما أنشر. لكنّ الموعد الأسبوعيّ للنشر جعلني أجبر نفسي (مش عم نقّ) على خلق قصّة جديدة. أنا فخورة ببعض التدوينات التي كتبت، وقد لقيت إعجابًا من الكثير من معارفي.
كنت أتمنّى لو اهتمّت زميلاتي بالمدوّنة أكثر، عوضًا عن معاملتها كوظيفة جافّة. في البداية قرأت تدوينات جيّدة ووجدت في بعض الفتيات قدرة رائعة على التعبير. إلّا أنّ المدوّنة لم تلقَ اهتمامًا ملحوظَا في الأسابيع اللاحقة. وجدتُ لذّة في الكتابة هنا للتعبير عن ما لا يمكنني الإفصاح عنه مباشرة، أكان في الحياة اليوميّة أو حتّى على حساباتي الافتراضيّة. كنت أتمنّى لو اهتمّت ديمة بتدويناتنا أكثر. في أوّل أسبوعين كنّا نقرأ كتاباتنا في الصفّ، ولكنّنا توقّفنا عن ذلك لانشغالنا بالتحضير للتقارير المتنوّعة. لم تطّلع ديمة على التدوينات إلّا في نهاية الفصل، فغاب عنها الكثير من المشاركات، الجيدة والرديئة. بالرغم من أنّ محتوى التدوينات لم يكن مقيّمًا، لكن بعض الملاحظات على كيفيّة الكتابة، والترتيب، ومعالجة المواضيع ضروريّة جدًّا. تمنّيتُ لو أشرفت ديمة على المدوّنة وتابعت العمليّة عن كثب. بصراحة، كان هناك مشاركات لا تستحقّ النشر، وحبّذا لو صوّبت ديمة ذلك خلال الفصل. أعرف أنّ التدوين يتوقّف عند أهواء كلّ فرد، ولكلّ منّا أسلوبه. لكن ذلك لا يعني أنّ أيّ شيء صالح للنشر أو التدوين. . لم يعجبني أيضًا اسم المدوّنة وعنوانها.. كان ركيكًا و"كتير كليشيه". لكنّ إجماع زميلاتي عليه جعلني أغضّ النظر.  


مرّ الفصل على خير، أو هكذا أظنّ. تعلّمنا الكثير، وتألّمنا قليلًا. كنت في بعض الأحيان أحسّ أن ديمة تبالغ في التشدّد في معايير التقارير المسلّمة، وكأنّها تتوقّع من طالبات السنة الثانية الذين يخضن تجربة حقيقيّة للمرّة الأولى، أن ينتجوا تقارير بنفس جودة تقاريرها، هي صاحبة خبرة ما يقارب عشرين سنة في العمل الصحفيّ. أعرف أنّه كان هناك أخطاء لغويّة ونحويّة لا تغتفر، اقترفتها وزميلاتي. وكم أخجل من نفسي عند ارتكاب أخطاء طيش (هبل) أو تسرّع باللغة العربيّة، فأنا آخذ على عاتقي تصحيح الأخطاء التي أراها على الإنترنت أو بين أصدقائي.


على صعيد آخر، كنت أتمنّى لو كان هناك جدول زمنيّ محدّد لإنجاز الوظائف نلتزم به. وكنت أتمنّى لو خصّصت لكلّ طالبة جلسة قصيرة (١٥ دقيقة مثلًا) على انفراد لمراجعة المهام المطلوبة في كلّ حصّة كي يتسنّى لنا التدقيق أكثر في الأفكار، وتطوير النصوص والعمل على تحسين قصصنا أكثر. عدم الالتزام بالجدول المعدّ مسبقًا أوقعنا في فخّ امتحانات نهاية الفصل التي لا تنتهي. ناهيك عن ضيق الوقت لهيكلة المواضيع وتنقيحها. نهاية الفصل، أي بينما أكتب التدوينة هذه من غرفة المونتاج، والساعة تشير إلى الخامسة صباحًا تشهد على ذلك. كنت أتمنّى أيضًا لو أنّ تقييم درجاتنا جاء بشكل دوريّ ومنظّم أكثر، عوضَا عن التشتّت في علامات كلّ منّا.


وأخيرًا، لديّ اعتراف. (أرجو أن لا أندم عليه لاحقًا). لم أختر اختصاص الصحافة. ولم أكن أتوقّع أنّي أمتلك مهارات يمكنني توظيفها في مجال الإعلام. لكنّ ديمة استطاعت أن تستخرج من كلّ منّا طاقات واعدة. وأعترف أنّي أجد متعة فريدة في البحث عن القصص والمعلومات والقراءة والمطالعة والكتابة باللغة العربيّة. استمتعتُ بهذه المادّة. كانت تجربة غنيّة علّمتنا الكثير عن أنفسنا وعن العالم. اختبرتُ السهر لمطلع الفجر مع ابتهال وأميرة في الأيّام الأخيرة. وأشكر ابتهال لكونها أوّل من قرأ مسودات تدويناتي، وتقاريري. وجّهت إليّ انتقادات ساعدتني كثيرًا في تعديل وتحسين عملي.


أن تكون تلميذ ديمة يعني أنّك تتدرّب على يد مَن يعتبر الصحافة أسلوب حياة، وهو أمر يتطلّب وقتًا منّا كوننا لم نأخذ مادّة صحافيّة في صلب اختصاصنا من قبل. أن تكون تلميذ ديمة يعني أن تستمع لمن يحبّ البلاد العربيّة وكأنّه يحمل جواز سفر كلّ منها، وينتمي إلى عواصمها وكأنّه عاش فيها عقودًا. حبّ الإكتشاف والاستطلاع فيها ينعكسان في حديثها. واهتمامها بالتفاصيل رهيب.


ديمة الخطيب خارج الشاشة بعيدًا عن تغريداتها ومدوّنتها فتاة حالمة تبحث عن ندّ لشغفها في عيون طلّابها. تقسو عليهم ربّما كي لا يستهتروا برسالة الصحافة التي كرّست حياتها من أجلها. لا يمنع ذلك أن "تأخذنا في حلمها" وتحنو علينا، فما زلنا في أوّل الدرب.
ديمة، شكرًا لكلّ ما علّمتينا إيّاه ولكلّ ما سنكتشفه بأنفسنا.

رنا داود

2 comments:

  1. فعلا تجربة فريدة
    جميل يا رنى وأوافقك الرأي فيما يخص المدونة

    ReplyDelete
  2. تصويب لبعض الأخطاء
    أعددت -- أعدّيت
    طالبات السنة الثانية اللاتي -- الذين
    علّمتنا -- علّمتينا
    وشكرا لك ولديمة

    ReplyDelete