![]() |
| الصورة من الشبكة |
جلس يتابع عملاً يشغله منذ أسابيع، بل شهور، ولم ينتهِ منه بعد. ضوء شاشة التلفاز ينير الغرفة الصغيرة. تلعب موسيقى "پينك فلويد" بصوتٍ منخفض في الخلفيّة، ويتداخل معها زفير المكيّف.
تشير عقارب ساعة الحائط إلى الثانية صباحًا. وصلَتْ.
استقبلها بابتسامة. طبع قبلة سريعة على خدّها الأيسر، وألقى التحيّة. دخلت إلى مقرّ عمله وجلست بجانبه على الأريكة السوداء. بديا مرتبكيْن، فهي المرّة الأولى التي تزوره في بيته رغم أنّه دعاها مرارًا.
كان البخور يعمّ أرجاء الغرفة، تخالطه رائحة احتراق الشمع الخفيفة. أكمل العمل على حاسوبه. بدا حائرًا قليلًا. سألته عن تطوّرات عمله في محاولة لكسر الارتباك. انتقلت من سؤال إلى آخر. لكنّ إجاباته كانت خجولة. ربّما بسبب التعب الذي بدت ملامحه تظهر على وجهه. سألتهُ إن كان قد استمع إلى النسخة العربيّة الشهيرة لأغنية "Comfortably Numb" بما أنّ "Pink Floyd" فرقته المفضّلة. أجاب بالنفي، فـ"بعض الأغاني لا يمكن تعريبها" قال لها.
تناول سيجارة من العلبة وأشعلها. لاحظَتْ أنّه اختار نوعًا مختلفًا من السجائر فقد استبدل الأميركيّة بالفرنسيّة.
- غيّرت سيجارتك؟
- لأ بس ما كان عندهم "مارلبورو" بالمحلّ، فاشتريت هيدي.
- عطيني وحدة.
أشعل سيجارتها، وراحا يدخّنان. بالرغم من أنّها ليست صديقة للسجائر، لكن لم يزعجها الدخّان ليلتها. راحت تزفر الدخان الأبيض للجهة المقابلة، وتشاهد حركات جسده. سألته: "قدّيه صرلك بتدخّن؟". فأجابها: "٨ سنين، بس مش كتير فخور بالخبريّة". تابعت التودّد لسيجارتها الوحيدة وهي تتفرّج على اللفافة تحرق نفسها على عجل.
وضعت ما تبقّى من اللفافة في صحن السجائر، فاهتمّ هو بإطفائها. ثمّ تمدّدا على الأريكة. حضنها بين ذراعيه، وكأنّه لا يريد أن تفلتَ منه. قبّلت راحة يديه، وانهمكت تحفظ تضاريس أصابعه. مرّرت أصابعها في شعره الكثيف. تحسّست شكل أذنيه، وأنفه. لمست شفتيه، ومشّطت لحيته الخفيفة. وكأنّها تكتشف الجسم البشريّ لأوّل مرّة.
لم يتكلّما قط. تمنّت لو شاركها ما يدور في باله. أيّ شيء... اكتفيا بلغة جسديهما.
سألته مرّتين وهي بين ذراعيه: "إنتَ منيح؟"، فأجابها "إيه، إنتِ منيحة؟". تنهّدت وأومأت بنعم، وانشغلت بهدوء اللحظة.
كان كالطفل الصغير الذي لا يملّ من حضن أمّه. أمعنت النظر في ملامحه، إذ بها تراها تختلفُ كلّما نظرت من زاوية جديدة. ابتسم بخجل بين الفينة والأخرى، وهو يغمض عينيه. حفظت شكل ابتسامته، طولها بعرض ثلاثة من أصابعها مجتمعة.
حضنته، شمّت عطر عنقه للمرّة الأخيرة، وغادرت منزله عند الثالثة والنصف.
رنا داود

جميل ... كم استمتع باهتمامك بالتفاصيل
ReplyDeleteهي الجزء الثاني من سيجارة فرنسية
ReplyDeleteلا يا وسام، هذه قصّة منفصلة.
Delete